9 مصاحف الكتاب الاسلامي

9 مصاحف هيتميل 9 و 12 مصحف

 

اللهم أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأنصر من ابتُغي، وأرأف من مَلَك، وأجود من سُئل، وأوسع مَن أعطى. أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهَك. لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتُعصى فتغفر. أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال. القلوب لك مُفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم...))./((تمَّ نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد. ربَّنا: وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهناها. تطاع ربَّنا فتشكر، وتُعصى ربَّنا فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتَشفي السُقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتَك قولُ قائل))/((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم))/((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدّ))/((لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين))/((اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، و النبيون حق، ومحمد حق. ))/اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت...

الجمعة، 12 أغسطس 2022

فضل الحهاد في سبيل الله لابن القيم



 

فضل الحهاد في سبيل الله لابن القيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

أما الجهاد فناهيك به من عبادة هي سنام العبادات وذروتها، وهو المحك والدليل المفرق بين المحب والمدعي؛ فالمحب قد بذل مهجته وماله لربه وإلهه متقربًا إليه ببذل أعز ما بحضرته، يود لو أن له بكل شعرة نفسًا يبذلها في حبه ومرضاته، ويود أن لو قتل فيه ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل؛ فهو يفدي بنفسه حبيبه وعبده ورسوله، ولسان حاله يقول:

يفديك بالنفس صب لو يكون له



أعز من نفسه شيء فذاك به

فهو قد سلم نفسه وماله لمشتريها، وعلم أنه لا سبيل إلى أخذ السلعة إلا ببذل ثمنها: }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ{ [التوبة: 111]، وإذا كان من المعلوم المستقر عند الخلق أن علامة المحبة الصحيحة بذل الروح والمال في مرضات المحبوب، فالمحبوب الحق الذي لا تنبغي المحبة إلا له، وكل محبة سوى محبته فالمحبة له باطلة- أولى بأن يشرِّع لعباده الجهاد الذي هو غاية ما يتقربون به إلى إلههم وربهم، وكانت قرابين من قبلهم من الأمم في ذبائحهم وقرابينهم تقديم أنفسهم للذبح في الله مولاهم الحق، فأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة؛ ولهذا ادخرها الله لأكمل الأنبياء وأكمل الأمم عقلاً وتوحيدًا ومحبه لله([1]).


فصل

في أحاديث في الجهاد والترهيب من تركه

لقد حرك الداعي إلي الله وإلي دار السلام النفوس الأبية والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حيًا، فهزه السماع إلي منزل الأبرار، وحدا به في طريق سيره، فما حطت به رحاله إلا بدار القرار، فقال: «انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل» ([2]).

وقال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة»([3]).

وقال: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»([4]).

 

وقال فيما يروى عن ربه – تبارك وتعالي: «أيما عبد من عبادي خرج مجاهدًا في سبيلي ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه إن أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة» ([5]).

وقال: «جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم» ([6]).

وقال: «أنا زعيم – والزعيم: الحميل – لمن آمن بي وأٍسلم وهاجر ببيت في رَبَض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة، من فعل ذلك، لم يدع للخير مطلبًا، ولا من الشر مهربًا، يموت حيث شاء أن يموت»([7]).

وقال: «من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فُوَاق ناقة؛ وجبت له الجنة»([8]).

وقال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة»([9]).

وقال لأبي سعيد: «من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً؛ وجبت له الجنة». فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل، ثم قال رسول الله r: «وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض» قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» ([10]).

وقال: «من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فُلُ هَلُمَّ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان»، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» ([11]).

وقال: «من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله وعاد مريضًا أو أماط الأذى عن طريق فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله في جسده فهو له حطة» ([12]).

وذكر ابن ماجه عنه: «من أرسل بنفقه في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم». ثم تلا هذه الآية: }وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [البقرة: 261]([13]).

وقال: «من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في غرمه أو مكاتبًا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» ([14]).

وقال: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار»([15]).

وقال: «لا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل واحد، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد»([16])، وفي لفظ: «في قلب عبد»([17])، وفي لفظ: «في جوف امرئ»([18])، وفي لفظ: «في منخري مسلم» ([19]).

وذكر الإمام أحمد – رحمه الله تعالي: «من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار، فهما حرام على النار»([20]).

وذكر عنه أيضًا أنه قال: «لا يجمع الله في جوف رجل غبارًا في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يومًا في سبيل الله باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل، ومن جرح جرحة في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون، ويقولون: فلان عليه طابع الشهداء، ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة»([21]).

وذكر ابن ماجه عنه: «من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكًا يوم القيامة»([22]).

وذكر أحمد – رحمة الله – عنه: «ما خالط قلب امرئ رَهَجٌ في سبيل الله، إلا حرم الله عليه النار»([23]).

وقال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها»([24]).

وقال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه وأمن الفتَّانَ»([25]).

وقال: «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلي يوم القيامة، ويؤمن من فتنه القبر»([26]).

وقال: «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل»([27]).

وذكر ابن ماجه عنه: «من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها»([28]).

وقال: «مقام أحدكم في سبيل الله خير من عبادة أحدكم في أهله ستين سنة، أما تحبون أن يغفر الله لكم وتدخلون الجنة، جاهدوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة»([29]).

وذكر أحمد عنه: «من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام، أجزأت عنه رباط سنة»([30]).

وذكر عنه أيضًا: «حَرْسُ ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها، ويصام نهارها»([31]).

وقال: «حَرُمَت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحَرُمَت النار على عين سهرت في سبيل الله»([32]).

وذكر أحمد عنه: «من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا لا يأخذه سلطان، لم ير النار بعينيه، إلا تحلة القسم، فإن الله يقول: }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا{ [مريم: 71]»([33]).

وقال لرجل حرس المسلمين ليلة في سفرهم من أولها إلى الصلاة على ظهر فرسه لم ينزل إلا لصلاة أو قضاء حاجة: «قد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها»([34]).

وقال: «من بَلَغَ بسهم في سبيل الله، فله درجة في الجنة»([35]).

وقال: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورًا يوم القيامة»([36]).  وعند النسائي تفسير الدرجة بمائة عام([37]).

وقال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير، والممد به، والرامي به، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وكل شيء يلهو به الرجل فباطل إلا رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، ومن علمه الله الرمي فتركه رغبة عنه فنعمة كفرها» رواه أحمد وأهل السنن ([38])، وعند ابن ماجه: «من تعلم الرمي ثم تركه، فقد عصاني»([39]).

وذكر أحمد عنه أن رجلاً قال له: أوصني. فقال: «أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكر لك في الأرض» ([40])، وقال: «ذروة سنام الإسلام الجهاد»([41]).

وقال: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» ([42]).

وقال: «من مات ولم يغز ولم يُحَدِّث به نفسه مات على شعبة من نفاق»([43]).

وذكر أبو داود عنه: «من لم يغْزُ أو يُجَهَّز غازيًا أو يُخَلِّفْ غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة» ([44]).

وقال: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم» ([45]).

وذكر ابن ماجه عنه: «من لقي الله عز وجل وليس له أثر في سبيل الله لقي الله وفيه ثلمة» ([46]).

وقال تعالي: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{ [البقرة: 195]، وفسر أبو أيوب الأنصاري الإلقاء باليد إلى التهلكة بترك الجهاد ([47]).

وصح عنه r: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف» ([48]).

وصح عنه r: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» ([49]).

وصح عنه r: «إن النار أول ما تُسَعَّرُ بالعالم والمنفق والمقتول في الجهاد، إذا فعلوا ذلك ليُقَال» ([50]).

وصح عنه: «أن من جاهد يبتغي عرض الدنيا، فلا أجر له»([51]).

وصح عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو: «إن قاتلت صابرًا محتسبًا، بعثك الله صابرًا محتسبًا، وإن قاتلت مرائيًا مكاثرًا، بعثك الله مرائيًا مكاثرًا، يا عبد الله بن عمرو، على أي وجه قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال» ([52]).

وقال r: «والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك» ([53]).

وفي الترمذي عنه: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أَثَرَيْن، قطرة دمعة من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله»([54]).

وصح عنه أنه قال: «ما من عبد يموت له عند الله خير لا يسره أن يرجع إلى الدنيا، وأنَّ له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلي الدنيا فيقتل مرة أخرى» وفي لفظ: «فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة» ([55]).

وقال لأم حارثة بنت النعمان، وقد قتل ابنها معه يوم بدر، فسألته أين هو؟ قال: «إنه في الفردوس الأعلى»([56]).

وقال: «إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلي تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» ([57]).

وقال: «إن للشهيد عند الله خصالاً: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأٍسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه». ذكره أحمد، وصححه الترمذي ([58]).

وقال لجابر: «ألا أخبرك ما قال الله لأبيك» قال: بلي، قال: «ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا فقال: يا عبدي، تَمَنَّ عليَّ أعْطكَ. قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية. قال: إنه سبق مني: }أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ{ [القصص: 39]، قال: يا رب، فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون{» [آل عمران: 169]([59]).

وقال: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلي قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم» فأنزل الله على رسوله هذه الآيات: }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا{ [آل عمران: 169]([60]).

وفي المسند مرفوعًا: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قُبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية»([61]).

وقال: «لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى يبتدره زوجتاه، كأنهما طيران أضلتا فصيليهما ببراح من الأرض بيد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها»([62]).

وفي المسند والنسائي مرفوعًا: «لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر»([63]).

وفيهما: «ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القَرْصَة»([64]).

وفي السنن: «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته»([65]).

وفي المسند: «أفضل الشهداء الذي إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتَلَبَّطُونَ في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلي عبد في الدنيا، فلا حساب عليه»([66]).

وفيه: «الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك الذي يرفع إليه الناس أعناقهم، ورفع رسول الله r رأسه حتى وقعت قلنسوته، ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح أتاه سهم غُرْب فقتله، هو في الدرجة الثانية، ورجل مؤمن جيد الإيمان خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الثالثة، ورجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافًا كثيرًا لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الرابعة»([67]).

وفي المسند وصحيح ابن حبان: «القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك مُمَصْمِصَةٌ محت ذنوبه وخطاياه؛ إن السيف مَحَّاءُ الخطايا، وأُدْخِلَ من أي أبواب الجنة شاء؛ فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فإن ذلك في النار؛ إن السيف لا يمحو النفاق»([68]).

وصح عنه: «أنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدًا» ([69]).

وسئل أي الجهاد أفضل؟ فقال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» قيل: فأي القتل أفضل؟ قال: «من أهريق دمه، وعقر جواده في سبيل الله» ([70]).

وفي سنن ابن ماجه: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»([71])، وهو لأحمد والنسائي مرسلاً([72]).

وصح عنه: «أنه لا تزال طائفة من أمته يقاتلون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة»([73])، وفي لفظ: «حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال»([74]) ([75]).

وأيضًا:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله r: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها وتأوي إلي قناديل من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم»، قال: فأنزل الله: }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{ [آل عمران: 169] ([76]).

وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في صحيحه وذكر الدارقطني أن عبد الله بن إدريس تفرد به عن محمد بن إسحاق وغيره يرويه عن ابن إسحاق، لا يذكر فيه سعيداً بن جبير. وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود معناه ([77]).

فروى مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{ فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: «إن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلي تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعه فقال: هل تشتهون شيئًا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح في الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا؛ حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا».

والظاهر – والله أعلم – أن المسؤول عن هذه الآية الذي أشار إليه ابن مسعود: هو رسول الله r، وحذفه لظهور العلم به، وأن الوهم لا يذهب إلى سواه، وقد كان ابن مسعود يشتد عليه أن يقول: قال رسول الله r، وكان إذا سماه أرعد، وتغير لونه، وكان كثيرًا ما يقول: ألفاظ الحديث موقوفة، وإذا رفع منها شيئًا تحرى فيه، وقال: أو شبه هذا. أو: قريبًا من هذا، فكأنه – والله أعلم – جرى على عادته في الحديث، وخاف ألا يؤديه بلفظه، فلم يذكر رسول الله r. والصحابة إنما يسألون عن معاني القرآن رسول الله r ([78]).

 

 

* * * *

 


فصل

في فضل المجاهدين

الطبقة السادسة ([79]): المجاهدون في سبيل الله، وهم جند الله الذين يقيم بهم دينه، ويدفع بهم بأس أعدائه، ويحفظ بهم بيضة الإسلام، ويحمي بهم حوزة الدين، وهم الذين يقاتلون أعداء الله؛ ليكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا، قد بذلوا أنفسهم في محبة الله ونصر دينه وإعلاء كلمته ودفع أعدائه، وهم شركاء لكل من يحمونه بسيوفهم في أعمالهم التي يعملونها وإن باتوا في ديارهم، ولهم مثل أجور من عبد الله بسبب جهادهم وفتوحهم؛ فإنهم كانوا هم السبب فيه، والشارع قد نزل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر والوزر؛ ولهذا كان الداعي إلى الهدى والداعي إلى الضلال لكل منهما بتسببه مثل أجر من تبعه.

وقد تظاهرت آيات الكتاب وتواترت نصوص السنة على الترغيب في الجهاد والحض عليه ومدح أهله والإخبار عما لهم عند ربهم من أنواع الكرامات والعطايا الجزيلات، ويكفي في ذلك قوله تعالي: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ [الصف: 10] فتشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التي دل عليها رب العالمين العليم الحكيم فقال: }تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ{ [الصف: 11] فكأن النفوس ضنت بحياتها وبقائها فقال: }ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{؛ يعني أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة، فكأنما قالت: فما لنا في الجهاد من الحظ؟ فقال: }يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{ ومع المغفرة }وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [الصف: 12].

فكأنما قالت: هذا في الآخرة فما لنا في الدنيا؟ فقالِ: }وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{ [الصف: 13]، فلله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذبًا لها وتسييرًا إلي ربها، وما ألطف موقعها من قلب كل محب، وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشه حين تباشره معانيها فنسأل الله من فضله إنه جواد كريم.

ومن هذا قوله: }أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{ [التوبة: 19 – 22].

فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يستوي عنده عمار المسجد الحرام، وهم عماره بالاعتكاف والطواف والصلاة، هذه هي عمارة مساجده المذكورة في القرآن، وأهل سقاية الحاج لا يستوون هم وأهل الجهاد في سبيل الله، وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده وأنهم هم الفائزون، وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات، فنفى التسوية بين المجاهدين وعمار المسجد الحرام مع أنواع العبادة مع ثنائه على عماره بقوله تعالي: }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ{ [التوبة: 18] فهؤلاء هم عمار المساجد، ومع هذا فأهل الجهاد أرفع درجة عند الله منهم.

وقال تعالي: }لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [النساء: 95 – 96]؛ فنفى سبحانه وتعالى التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين، ثم أخبر عن تفضيل المجاهدين على القاعدين درجة، ثم أخبر عن تفضيلهم عليهم درجات.

وقد أشكل فهم هذه الآية على طائفة من الناس من جهة أن القاعدين الذين فضل عليهم المجاهدون بدرجات؛ إن كانوا هم القاعدين الذي فضل عليهم أولو الضرر، فيكون المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقًا، وعلى هذا فما وجه استثناء أولي الضرر من القاعدين وهم لا يستوون والمجاهدون أصلاً؟ فيكون حكم المستثنى والمستثنى منه واحد، فهذا وجه الإشكال.

ونحن نذكر ما يزيل الإشكال بحمد الله؛ فاختلف القراء في إعراب (غير): فقرئ رفعًا ونصبًا، وهما في السبعة، وقرئ بالجر في غير السبعة، وهي قراءة أبي حيوة؛ فأما قراءة النصب فعلى الاستثناء؛ لأن «غيرًا» يعرب في الاستثناء إعراب الاسم الواقع بعد إلا، وهو النصب، هذا هو الصحيح.

وقالت طائفة: إعرابها نصب على الحال؛ أي: لا يستوي القاعدون غير مضرورين؛ أي لا يستوون في حال صحتهم هم والمجاهدون. والاستثناء أصح؛ فإن «غير» لا تكاد تقع حالاً في كلامهم إلا مضافةً إلى نكرةٍ؛ كقوله تعالي: }فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ{ [البقرة: 173]، وقوله عز وجل في أول المائدة: }أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ{ [المائدة: 1]، وقوله r: «مرحبًا بالوفد غير خزايا ولا ندامى» ([80]). فإن أضيفت إلى معرفة كانت تابعة لما قلبها؛ كقوله تعالى: }صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ{ [الفاتحة: 7]، ولو قلت: مرحبًا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى، لجررت غير، هذا هو المعروف من كلامهم، والكلام في عدم تعرف غير بالإضافة وحسن وقوعها؛ إذ ذاك حالاً له مقام آخر، وأما الرفع فعلى النعت للقاعدين، هذا هو الصحيح. وقال أبو إسحاق وغيره: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: الذين هم غير أولي الضرر، والذي حمله على هذا ظنه أن غيرًا لا تقبل التعريف بالإضافة، فلا تجري صفة للمعرفة، وليس مع من ادعى ذلك حجة يعتمد عليها سوى أن غيرًا توغلت في الإبهام فلا تتعرف بما يضاف إليه. وجواب هذا أنها إذا دخلت بين متقابلين لم يكن فيها إبهام لتعيينها ما تضاف إليه.

وأما قراءة الجر ففيها وجهان أيضًا:

أحدهما: وهو الصحيح: أنه نعت للمؤمنين.

والثاني: وهو قول المبرد: أنه بدل منه، بناء على أنه نكرة فلا تنعت به المعرفة.

وعلى الأقوال كلها فهو مفهوم معنى الاستثناء، وإن نفى التسوية غير مسلط على ما أضيف إليه غيره، وقوله: }فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً{ [النساء: 95]، هو مبيِّن لمعنى نفي المساواة، قالوا: والمعنى: فضل الله المجاهد على القاعد من أولي الضرر درجة واحدة لامتيازه عنه بالجهاد بنفسه وماله. ثم أخبر سبحانه وتعالى أن الفريقين كلاهما موعود بالحسنى فقال: }وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى{ [النساء: 95]؛ أي المجاهد والقاعد المضرور؛ لاشتراكهما في الإيمان. قالوا: وفي هذا دليل على تفضيل الغني المنفق على الفقير؛ لأن الله أخبر أن المجاهد بماله ونفسه أفضل من القاعد، وقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وأما الفقير فنفى عنه الحرج بقوله: }وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ{ [التوبة: 92]؛ فأين مقام من حكم له بالتفضيل إلى مقام من نفي عنه الحرج؟ قالوا: فهذا حكم القاعد من أولي الضرر والمجاهد، وأما القاعد من غير أولى الضرر فقال تعالي: }وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [النساء: 95 – 96]، وقوله: }دَرَجَاتٍ{ قيل: هو نصب على البدل قوله: }أَجْرًا عَظِيمًا{ وقيل: تأكيد له وإن كان بغير لفظه؛ لأنه هو في المعنى، قال قتادة: كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة. وقال ابن زيد: الدرجات التي فضل الله بها المجاهد على القاعد سبع، وهي التي ذكرها الله تعالي في براءة إذ يقول تعالى: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{ [التوبة: 120]؛ فهذه خمس، ثم قال: }وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ{ [التوبة: 121]، فهاتان اثنتان، وقيل: الدرجات سبعون درجة، ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، والصحيح أن الدرجات هي المذكورة في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه، عن النبي r أنه قال: «من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان فإن حقًا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» قالوا: يا رسول الله، أفلا نخبر الناس بذلك؟ قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للجاهدين في سبيله، كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» ([81]). قالوا: وجعل سبحانه وتعالي التفضيل الأول بدرجة فقط، وجعله ها هنا بدرجات ومغفرة ورحمة، وهذا يدل على أنه يفضل على غير أولي الضرر، فهذا تقرير هذا القول وإيضاحه.

ولكن بقي أن يقال: إذا كان المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقًا لزم ألا يستوي مجاهد وقاعد مطلقًا، فلا يبقى في تقييد القاعدين بكونهم من غير أولي الضرر فائدة، فإنه لا يستوي المجاهدون والقاعدون من أولي الضرر أيضًا، وأيضًا فإن القاعدين المذكورين في الآية الذين وقع التفضيل عليهم هم غير أولي الضرر، لا القاعدون الذين هم أولو الضرر، فإنهم لم يذكر حكمهم في الآية، بل استثناهم وبين أن التفضيل على غيرهم، فاللام في «القاعدين» للعهد، والمعهود هم غير أولي الضرر لا المضرورون، وأيضًا فالقاعد من المجاهدين لضرورة تمنعه من الجهاد له مثل أجر المجاهد، كما ثبت عن النبي r أنه قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا» ([82])، وقال r «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم» قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر»([83]).

 

وعلى هذا فالصواب أن يقال: الآية دلت على أن القاعدين عن الجهاد من غير أولي الضرر لا يستوون هم والمجاهدون، وسكت عن حكمهم بطريق منطوقها، ولا يدل مفهومها على مساواتهم للمجاهدين، بل هذا النوع منقسم إلى: معذور من أهل الجهاد غلبه عذره وأقعده عنه ونيته جازمة لم يخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع؛ أن له مثل أجر المجاهد. وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية؛ وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الصواب والعقاب منزلة الفاعل التام، كما دل عليه قوله r: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» ([84])، وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري عن النبي r أنه قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأحسن المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته، وهما في الأجر سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا، فهو لا يتقي في ماله ربه، ولا يصل به رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأسوأ المنازل عند الله، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، وهما في الوزر سواء» ([85])، فأخبر r أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواء؛ لأنه أتى بالنية ومقدوره التام، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته، وكذلك المقتول الذي اقترن قوله بنيته، وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل نزل منزلة القاتل؛ لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة.

ومثل هذا قوله r: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»([86])، فإنه بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل، ومثله: «من دعا إلى هدى فله مثل أجور من اتبعه، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل آثام من اتبعه»([87])؛ لأجل نيته واقتران مقدورها بها من الدعوة، ومثله: إذا جاء المصلي إلى المسجد ليصلي جماعة فأدركهم وقد صلوا فصلى وحده كتب له مثل أجر صلاة الجماعة بنيته وسعيه، كما قد جاء مصرحًا به في حديث مروى ([88])، ومثل من كان له ورد يصليه من الليل فنام، ومن نيته أن يقوم إليه فغلبت عينه نوم كتب له أجر ورده وكان نومه عليه صدقة ([89])، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم.

ومثله: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله سبحانه وتعالى منازل الشهداء ولو مات على فراشه»([90]). ونظائر ذلك كثيرة.

والقسم الثاني معذور ليس من نيته الجهاد ولا هو عازم عليه عزمًا تامًا، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله، بل قد فضل الله المجاهدين عليه وإن كان معذورًا؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول، وقد قال النبي r في حديث عثمان بن مظعون: «إن الله قد أقع أجره على قدر نيته» ([91])، فلما كان القسم المعذور فيه التفصيل لم يجز أن يساوى بالمجاهد مطلقًا، ولا ينفي عنه المساواة مطلقًا، ودلالة المفهوم لا عموم لها فإن العموم إنما هو من أحكام الصيغ العامة وعوارض الألفاظ، والدليل الموجب للقول بالمفهوم لا يدل على أن له عمومًا يجب اعتباره، فإن أدلة المفهوم ترجع إلي شيئين؛ أحدهما: التخصيص، والآخر: التعليل.

فأما التخصيص: فهو أن تخصيص الحكم بالمذكور يقتضي نفي الحكم عما عداه وإلا بطلت فائدة التخصيص، وهذا لا يقتضي العموم وسلب حكم المنطوق عن جميع صور المفهوم؛ لأن فائدة التخصيص قد تحصل بانقسام صور المفهوم إلي ما يسلب الحكم عن بعضها ويثبت لبعضها ثبوت تفصيل فيه، فيثبت له حكم المنطوق على وجه دون وجه إما بشرط لا تجب مراعاته في المنطوق، وإما في وقت دون وقت، بخلاف حكم المنطوق فإنه ثابت أبدًا، ونحو ذلك من فوائد التخصيص.

وإذا كانت فائدة التخصيص حاصلة بالتفصيل والانقسام فدعوى لزوم العموم من التخصيص دعوي باطلة فإثباته مجرد التحكم، وأما التعليل فإنهم قالوا: ترتيب الحكم على هذا الوصف المناسب له يقتضي نفي الحكم عما عداه وإلا لم يكن الوصف المذكور علة.

وهذا أيضًا لا يستلزم عموم النفي عن كل ما عداه، وإنما غايته اقتضاؤه نفي الحكم جملة فلا يجوز ثبوته بوصف آخر.

وعلة أخرى؛ فإن الحكم الواحد بالنوع يجوز تعليله بعلل مختلفة وفي الواحد بالعين كلام ليس هذا موضعه، ومثال هذا ما نحن فيه؛ لأن قوله تعالي: }لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ{ [النساء: 95] لا يدل على مساواة المضرورين المجاهدين مطلقًا من حيث الضرورة، بل إن ثبتت المساواة فإنها معللة بوصف آخر وهي النية الجازمة والعزم التام، والضرر المانع من الجهاد في ذلك الحال لا يكون مانعًا من المساواة في الأجر، والله أعلم.

والمقصود الكرم على طبقات الناس في الآخرة، وأما النصوص والأدلة الدالة على فضل الجهاد وأهله فأكثر من أن تذكر هنا، ولعلها أن تفرد في كتاب على هذا النمط إن شاء الله. فهذه الدرجات الثلاث هي درجات السبق، أعني درجة العلم والعدل والجهاد، وبها سبق الصحابة وأدركوا من قبلهم وفاتوا من بعدهم واستولوا على الأمد البعيد وحازوا قصبات العلى، وهم كانوا السبب في وصول الإسلام إلينا وفي تعليم كل خير وهدى وسبب تنال به السعادة والنجاة، وهم أعدل الأمة فيما ولوه، وأعظمها جهادًا في سبيل الله، والأمة في آثار علمهم وعدلهم وجهادهم إلى يوم القيامة، فلا ينال أحد منهم مسألة علم نافع إلا على أيديهم ومن طريقهم ينالها، ولا يسكن بقعة من الأرض آمنًا إلا بسبب جهادهم وفتوحهم، ولا يحكم إمام ولا حاكم بعدل وهدى إلا كانوا هم السبب في وصولهم إليه؛ فهم الذين فتحوا البلاد بالسيف والقلوب بالإيمان وعمروا البلاد بالعدل والقلوب بالعلم والهدى، فلهم من الأجر أعمالهم التي اختصوا بها، فسبحان من يختص بفضله ورحمته من يشاء، وإنما نالوا هذا بالعلم والجهاد والحكم بالعدل، وهذه مراتب السبق التي يهبها الله لمن يشاء من  عباده ([92]).

 

* * * *


فضل الشهادة

 

إن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية، ولها أعمال وأحوال هي شرط في حصولها، وهي نوعان: عامة، وخاصة.

فالخاصة: الشهادة في سبيل الله.

والعامة: خمس مذكورة في الصحيح. ([93]) ([94]).

مسألة:

سئل أحمد: هل المقام بالثغر أفضل من المقام بمكة؟ فقال: إي والله ([95]).

 

 

* * * *

 


متى كان الأمر بالقتال؟

 

لما استقر رسول الله r بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين الأنصار وألف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم، فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام من الأٍسود والأحمر، وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محبته على محبة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم من أنفسهم- رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب، والله سبحانه يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة، واشتد الجناح، فأذن لهم حينئذ في القتال، ولم يفرضه عليهم، فقال تعالى: }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{ [الحج: 39] وقد قالت طائفة: إن هذا الإذن كان بمكة، والسورة مكية. وهذا غلط لوجوه:

أحدها: أن الله لم يأذن بمكة لهم في القتال، ولا كان لهم شوكة يتمكنون بها من القتال بمكة.

الثاني: أن سياق الآية يدل على أن الإذن بعد الهجرة وإخراجهم من ديارهم؛ فإنه قال: }الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ{ [الحج: 40]، وهؤلاء هم المهاجرون.

الثالث: قوله تعالي: }هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ{ [الحج: 19] نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر من الفريقين ([96]).

الرابع: أنه قد خاطبهم في آخرها بقوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا{ والخطاب بذلك كله مدني؛ فأما الخطاب (يا أيها الناس) فمشترك.

الخامس: أنه أمر فيها بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد وغيره، ولا ريب أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة، فأما جهاد الحجة، فأمر به في مكة بقوله: }فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ{ أي: بالقرآن }جِهَادًا كَبِيرًا{ [الفرقان: 52] فهذه سورة مكية، والجهاد فيها هو التبليغ، وجهاد الحجة، وأما الجهاد المأمور به في (سورة الحج) فيدخل فيه الجهاد بالسيف.

السادس: أن الحاكم روى في مستدركه من حديث الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما خرج رسول الله r من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ ليهلكن، فأنزل الله عز وجل: }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا{ [الحج: 39]، وهي أول آية نزلت في القتال، وإسناده على شرط الصحيحين ([97])، وسياق السورة يدل على أن فيها المكي والمدني، فإن قصة إلقاء الشيطان في أمنية الرسول مكية، والله أعلم.

 

 

* * * *


فصل

ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، فقال: }وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ{ [البقرة: 190].

ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة، وكان محرمًا، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين؛ إما فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية على المشهور.

والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين؛ إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد؛ فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع.

أما الجهاد بالنفس ففرض كفاية، وأما الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان، والصحيح وجوبه؛ لأن الأمر بالجهاد به وبالنفس في القرآن سواء، كما قال تعالي: }انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [التوبة: 41].

وعلق النجاة من النار به، ومغفرة الذنب، ودخول الجنة، فقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [الصف: 10 – 12].


وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم ما يحبون من النصر والفتح القريب، فقال: }وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا{ [الصف: 13]؛ أي: ولكم خصلة أخرى تحبونها في الجهاد، وهي }نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{ ([98]).

 

 

 

 

 

* * * *

 

 


مجاهدة النفس

 

والعارف البصير يجعل عوض مجاهدته لنفسه في ترك شهوة مباحة مجاهدته لأعداء الله من شياطين الإنس والجن وقطاع الطريق على القلوب؛ كأهل البدع من بني العلم وبني الإرادة، ويستفرغ قواه في حربهم ومجاهدتهم، ويتقوى على حربهم بإعطاء النفس حقها من المباح ولا يشتغل بها ([99]).

 

 

 

 

* * * *

 


من آداب الجهاد

 

وأما القتال فالسنة فيه أيضًا خفض الصوت، وأما هذه الدبادب والأبواق والطبول فإنها لم تكن على عهد الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم من أمراء المسلمين، وإنما حدثت من جهة بعض ملوك المشرق من أهل فارس، وانتشرت في الأرض وتداولها الملوك حتى ربا فيها الصغير وهرم الكبير، لا يعرفون غير ذلك، وينكرون على من ينكره، ويزعم بعض الجهال أن هذا من إحداث عثمان وليس الأمر كذلك؛ بل ولا من فعل من بعده من الخلفاء؛ وإنما ورثته الأمة من الأعاجم ولم يكن منه بد؛ تحقيقًا لقول النبي r: «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع». فقالوا: فارس والروم؟ قال: «ومن الناس إلا هؤلاء» ([100])، وكما في الحديث الآخر: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» ([101])! والحديثان في الصحيح؛ فأخبر أنه لابد من أن يكون في الأمة من يتشبه باليهود والنصارى وبفارس والروم، وظهور هذا الشبه في الطوائف إنما يعرفه من عرف الحق وضده وعرف الواجب والواقع وطابق بين هذا وهذا، ووازن بين ما عليه الناس اليوم وبين ما كان عليه السلف الصالح.

الجهاد من خصائص هذه الأمة

وعيسى r كان في مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان، وكان لا يقاتل ولا يحارب، وليس في شريعته قتال ألبتة، والنصارى يحرم عليهم دينهم القتال، وهم به عصاة لشرعه، فإن الإنجيل يأمرهم فيه: أن «من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومن نازعك ثوبك فأعطه رداءك، ومن سخرك ميلاً فامش معه ميلين» ونحو هذا، وليس في شريعتهم مشقة ولا آصار ولا أغلال؛ إنما النصارى ابتدعوا تلك الرهبانية من قبل أنفسهم، ولم تكتب عليهم ([102]).

 

 

 

 

* * * *

 

 


تحمل تبعات الجهاد

 

مشهد «الجهاد»: وهو أن يشهد تولد أذى الناس له من جهاده في سبيل الله وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإقامة دين الله وإعلاء كلماته، وصاحب هذا المقام قد اشترى الله منه نفسه وماله وعرضه بأعظم الثمن، فإن أراد أن يسلم إليه الثمن فليسلم هو السلعة ليستحق ثمنها، فلا حق له على من آذاه، ولا شيء له قبله إن كان قد رضي بعقد هذا التبايع فإنه قد وجب أجره على الله.

وهذا ثابت بالنص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ ولهذا منع النبي r المهاجرين من سكنى مكة ([103]) أعزها الله, ولم يرد على أحد منهم داره ولا ماله الذي أخذه الكفار ولم يضمنهم دية من قتلوه في سبيل الله.

ولما عزم الصديق – رضي الله عنه – على تضمين أهل الردة ما أتلفوه من نفوس المسلمين وأموالهم قال له عمر – رضي الله عنه – بمشهد من الصحابة – رضي الله عنهم: تلك دماء وأموال ذهبت في الله وأجورها على الله ولا دية لشهيد، فأصفق الصحابة على قول عمر ووافقه عليه الصديق.

 

فمن قام لله حتى أوذي في الله حرم الله عليه الانتقام، كما قال لقمان لابنه: }وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ [لقمان: 17] ([104]).

 

 

 

 

* * * *

 

 


من صفات المجاهد

 

منها: الشجاعة؛ فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرًا، وأحصرهم قلبًا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله – سبحانه – غافل عن ذكره جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره، وإن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضًا وجنة، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابًا وسجنًا.

فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيمًا وعذابًا وسجنًا وانطلاقًا، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض، ولا يضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه؛ فهي الميزان والله المستعان ([105]).

 

* * * *


فصل

في هديه r في الجهاد

وكان النبي r يبايع أصحابه في الحرب على ألا يفروا، وربما بايعهم على الموت، وبايعهم على الجهاد كما بايعهم على الإسلام، وبايعهم على الهجرة قبل الفتح، وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله، وبايع نفرًا من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئًا.

وكان السوط يسقط من يد أحدهم، فينزل عن دابته، فيأخذه، ولا يقول لأحد: ناولني إياه ([106]).

وكان يشاور أصحابه في أمر الجهاد، وأمر العدو، وتخير المنازل، وفي المستدرك عن أبي هريرة: ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله r ([107]).

وكان يتخلف في ساقتهم في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف المنقطع، وكان أرفق الناس بهم في المسير ([108]).

وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها ([109])، فيقول مثلاً إذا أراد غزوة حنين: كيف طريق نجد ومياهها ومن بها من العدو ونحو ذلك.

وكان يقول: «الحرب خدعة» ([110]).

وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه، ويطلع الطلائع، ويبيت الحرس ([111]).

وكان إذا لقي عدوه وقف ودعا واستنصر الله، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله، وخفضوا أصواتهم ([112]).

وكان يرتب الجيش والمقاتلة، ويجعل في كل جنبة كفئًا لها، وكان يبارز بين يديه بأمره، وكان يلبس للحرب عدته، وربما ظاهر بين درعين، وكان له الألوية والرايات ([113]).

وكان إذا ظهر على قوم، أقام بعرصتهم ثلاثًا، ثم قفل([114]).

وكان إذا أراد أن يغير، انتظر؛ فإن سمع في الحي مؤذنًا لم يغر وإلا أغار([115]).

وكان ربما بيت عدوه، وربما فاجأهم نهارًا([116]).

وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة النهار([117]).

وكان العسكر إذا نزل انضم بعضه إلى بعض حتى لو بسط عليهم كساء لعمهم ([118]).

وكان يرتب الصفوف ([119])، ويعبئهم عند القتال بيده، ويقول: «تقدم يا فلان، تأخر يا فلان».

وكان يستحب للرجل منهم أن يقاتل تحت راية قومه.

وكان إذا لقي العدو، قال: «اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم» ([120])، وربما قال: }سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ{[القمر: 45- 46] ([121]).

وكان يقول: «اللهم أنزل نصرك» ([122]).

وكان يقول: «اللهم أنت عضدي وأنت نصيري، وبك أقاتل» ([123]).

وكان إذا اشتد له بأس، وحمي الحرب، وقصده العدو، يُعْلم بنفسه، ويقول:

«أنا النبي لا كذب

 

أنا ابن عبد المطلب»([124])

وكان الناس إذا اشتد الحرب اتقوا به r، وكان أقربهم إلي العدو([125]).

وكان يجعل لأصحابه شعارًا في الحرب يعرفون به إذا تكلموا، وكان شعارهم مرة: «أمت أمت» ([126])، ومرة: «يا منصور»، ومرة: «حم لا ينصرون»([127]).

وكان يلبس الدرع والخوذة، ويتقلد السيف، ويحمل الرمح والقوس العربية، وكان يتترس بالترس، وكان يحب الخيلاء في الحرب، وقال: «إن منها ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه الله؛ فأما الخيلاء التي يحبها الله، فاختيال الرجل بنفسه عند اللقاء، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله عز وجل، فاختياله في البغي والفخر»([128]).

وقاتل مرة بالمنجنيق، نصبه على أهل الطائف، وكان ينهى عن قتل النساء والولدان([129])، وكان ينظر في المقاتلة؛ فمن رآه أنبت قتله، ومن لم ينبت، استحياه([130]).

وكان إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله، ويقول: «سيروا بسم الله وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا»([131]).

وكان ينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو([132]).

وكان يأمر أمير سريته أن يدعو عدوه قبل القتال إما إلى الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة؛ ويكونون كأعراب المسلمين؛ ليس لهم في الفيء نصيب- أو بذل الجزية؛ فإن هم أجابوا إليه قبل منهم، وإلا استعان بالله وقاتلهم.

وكان إذا ظفر بعدوه أمر مناديًا فجمع الغنائم كلها، فبدأ بالأسلاب فأعطاها لأهلها، ثم أخرج خمس الباقي فوضعه حيث أراه الله وأمره به من مصالح الإسلام، ثم يرضخ من الباقي لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد، ثم قسم الباقي بالسوية بين الجيش، للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، وللراجل سهم([133])، هذا هو الصحيح الثابت عنه.

وكان ينفل من صلب الغنيمة بحسب ما يراه من المصلحة، وقيل: بل كان النفل من الخمس. وقيل- وهو أضعف الأقوال: بل كان من خمس الخمس. وجمع لسلمة بن الأكوع في بعض مغازيه بين سهم الراجل والفارس، فأعطاه أربعة أسهم لعظم غنائه في تلك الغزوة([134]).

وكان يسوي الضعيف في القسمة ما عدا النفل([135]).

وكان إذا أغار في أرض العدو بعث سرية بين يديه، فما غنمت أخرج خمسه، ونفلها ربع الباقي، وقسم الباقي بينها وبين سائر الجيش، وإذا رجع فعل ذلك، ونفلها الثلث([136])، ومع ذلك فكان يكره النفل ويقول: «ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم»([137]).

وكان له r سهم من الغنيمة يدعى الصفي؛ إن شاء عبدًا، وإن شاء أمةً، وإن شاء فرسًا يختاره قبل الخمس ([138]).

قالت عائشة: وكانت صفية من الصفي. رواه أبو داود ([139])؛ ولهذا جاء في كتابه إلي بني زهير بن أقيش: «إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي r وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله»([140]).

وكان سيفه ذو الفقار من الصفي([141]).

وكان يسهم لمن غاب عن الوقعة لمصلحة المسلمين، كما أسهم لعثمان سهمه من بدر، ولم يحضرها لمكان تمريضه لامرأته رقية ابنة رسول الله r، فقال: «إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله». فضرب له سهمه وأجره([142]).

وكانوا يشترون معه في الغزو ويبيعون وهو يراهم ولا ينهاهم، وأخبره رجل أنه ربح ربحًا لم يربح أحد مثله، فقال: «ما هو؟ » قال: مازلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية، فقال: «أنا أنبئك بخير رجل ربح» قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: «ركعتين بعد الصلاة»([143]).

وكانوا يستأجرون الأجراء للغزو على نوعين؛ أحدهما: أن يخرج الرجل، ويستأجر من يخدمه في سفره. والثاني: أن يستأجر من ماله من يخرج في الجهاد، ويسمون ذلك الجعائل، وفيها قال النبي r: «للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي»([144]).

وكانوا يتشاركون في الغنيمة على نوعين أيضًا:

أحدهما: شركة الأبدان.

والثاني: أن يدفع الرجل بعيره إلى الرجل أو فرسه يغزو عليه على النصف مما يغنم، حتى ربما اقتسما السهم فأصاب أحدهما قدحه، والآخر نصله وريشه.

وقال ابن مسعود: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء([145]).

وكان يبعث بالسرية فرسانًا تارة، ورجالاً أخرى.

وكان لا يسهم لمن قدم من المدد بعد الفتح([146]).

وكان يعطي سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب دون إخوتهم من بني عبد شمس وبني نوفل، وقال: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد». وشبك بين أصابعه وقال: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام»([147]).

وكان المسلمون يصيبون معه في مغازيهم العسل والعنب والطعام فيأكلونه، ولا يرفعونه في المغانم([148]).

قال ابن عمر: إن جيشًا غنموا في زمان رسول الله r طعامًا وعسلاً، ولم يؤخذ منهم الخمس. ذكره أبو داود([149]).

وانفرد عبد الله بن المغفل يوم خيبر بجراب شحم وقال: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فسمعه رسول الله r، فتبسم ولم يقل له شيئًا([150]).

وقيل لابن أبي أوفى: كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله r؟ فقال: أصبنا طعامًا يوم خيبر، وكان الرجل يجيء، فيأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف([151]).

وقال بعض الصحابة: كنا نأكل الجوز في الغزو ولا نقسمه؛ حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأجربتنا منه مملوءة([152]).

وكان ينهى في مغازيه عن النهبة والمثلة، وقال: «من انتهب فليس منا» ([153])، وأمر بالقدور التي طبخت من النهبى فأكفئت([154]).

وذكر أبو داود عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله r في سفر، فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنمًا، فانتهبوها وإن قدورنا لتغلي؛ إذ جاء رسول الله r يمشي على قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال: «إن النهبة ليست بأحل من الميتة»، أو: «إن الميتة ليست بأحل من النهبة»([155]).

وكان ينهى أن يركب الرجل دابة من الفيء حتى إذا أعجفها ردها فيه، وأن يلبس الرجل ثوبًا من الفيء حتى إذا أخلقه رده فيه ([156])، ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب([157]).

وكان هديه أن من أسلم على شيء في يده فهو له، ولم ينظر إلي سببه قبل الإسلام، بل يقره في يده كما كان قبل الإسلام([158]).

وكان يستحب القتال أول النهار، كما يستحب الخروج للسفر أوله، فإن لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر([159]) ([160]).

 

 

 

 

 

 

* * * *

 


فصل

في طرف من فتاويه r في الجهاد

سئل عن قتال الأمراء الظلمة، فقال: «لا، ما أقاموا الصلاة» وقال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم، وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم»، قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة» ثم قال r: «ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة». ذكره مسلم ([161]).

وقال: «يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا». ذكره مسلم، وزاد أحمد: «ما صلوا الخمس» ([162]).

وِسأله r رجل، فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقنا ويسألوننا حقهم؟ قال: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم». ذكره الترمذي([163]).

 

وقال: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها»، قالوا: فما تأمرنا من أدرك من ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم». متفق عليه ([164]).

وسأله r رجل فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: «لا أجده» ثم قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟» قال: ومن يستطيع ذلك؟ فقال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله» ذكره مسلم ([165]).

وسئل r: أي الناس أفضل؟ فقال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله»، قال: ثم من؟ قال: «رجل في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره» متفق عليه ([166])

وسأله r رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، وأنا صابر محتسب مقبل غير مدبر؛ يكفر الله عني خطاياي؟ قال: «نعم»، ثم قال: «فكيف قلت؟» فرد عليه كما قال: فقال: «نعم»، قال: «فكيف قلت؟» فرد عليه القول أيضًا، فقال: أرأيت يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي؟ قال: «نعم، إلا الدَّيْن، فإن جبريل سارَّني بذلك». ذكره أحمد ([167]).

وسئل r: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: «كفي ببارقة السيوف على رٍأسه فتنة». ذكره النسائي ([168]).

وسئل r: أي الشهداء أفضل عند الله تعالي؟ قال: «الذين يلقون في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك تعالى، وإذا ضحك ربك إلي عبد في الدنيا، فلا حساب عليه» ذكره أحمد([169]).

وسئل r عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» متفق عليه([170]).

وعند أبي داود أن أعرابيًا أتى رسول الله r فقال: الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله»([171]).

وسأله r رجل، فقال: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضًا من أعراض الدنيا، فقال: «لا أجر له»، فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد لرسول الله r فإنك لم تفهم، فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضًا من عرض الدنيا، فقال: «لا أجر له»، فقالوا للرجل: عد لرسول الله r، فقال له في الثالثة، فقال: « لا أجر له» ذكره أبو داود ([172]).

وعند النسائي أنه سئل r: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله r: «لا شيء له»، فأعادها ثلاث مرات، يقول رسول الله r: «لا شيء له»، ثم قال: «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصًا له وابتغى به وجهه» ([173]).

وسألته r أم سلمة، فقالت: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تعالى: }وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ{ [النساء: 23] ذكره أحمد ([174]).

وسئل r عن الشهداء، فقال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد». ذكره مسلم ([175]) ([176]).

وأيضًا:

وسأله r رجل فقال: يا نبي الله، مررت بغار فيه شيء من ماء، فحدثت نفسي بأن أقيم فيه فيقوتني ما فيه من ماء، وأصيب ما حوله من البقل، وأتخلى عن الدنيا، فقال r: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة» ([177])([178]).

وسئل r عن أفضل الجهاد فقال: «من عقر جواده وأريق دمه»([179])([180]).

وسئل r عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم، فقال: «هم منهم» ([181]). حديث صحيح. ومراده r بكونهم منهم التبعية في أحكام الدنيا وعدم الضمان، لا التبعية في عقاب الآخرة؛ فإن الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه([182]).

وسأله r رجل فقال: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي من عرض الدنيا، فقال: «لا أجر له»، فأعظم ذلك الناس فقالوا للرجل: أعد لرسول الله r، فلعلك لم تفهمه، فقال الرجل: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغى من عرض الدنيا، فقال: «لا أجر له»؛ فأعظم ذلك الناس، فقالوا: أعد لرسول الله r، فأعاد، فقال: «لا أجر له».

وسأله r رجل فقام: أقاتل أو أسلم؟ قال: «أسلم، ثم قاتل»، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال النبي r: «هذا عمل قليلاً وأجر كثيرًا»([183])([184]).

وسأله r الأسود بن سريع، فقال: أرأيت إن لقيت رجلاً من المشركين فقاتلني؛ فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة؛ فقال: أسلمت لله؛ أفأقتله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله r: «لا تقتله» فقلت: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال: «لا تقتله، فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»([185]) حديث صحيح([186]).

وسئل r عن رجل شد على رجل من المشركين ليقتله فقال: إني مسلم. فقتله، فقال فيه قولاً شديدًا، فقال: إنما قاله تعوذًا من السيف، فقال: «إن الله حرم على أن أقتل مؤمنًا» ([187]) حديث صحيح ([188]).

 

 

 

 

* * * *

 


طاعة الأمراء في المعروف

 

عن علي أن رسول الله r بعث جيشًا، وأمر عليهم رجلاً وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج نارًا، وأمرهم أن يقتحموا فيها، فأبى قوم أن يدخلوها، فبلغ ذلك النبي r، فقال: «لو دخلوها، أو دخلوا فيها، لم يزالوا فيها»، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» ([189]).

وقد استشكل قوله r: «ما خرجوا منها أبدًا، ولم يزالوا فيها» مع كونهم لو فعلوا ذلك لم يفعلوه إلا ظنًا منهم أنه من الطاعة الواجبة عليهم، وكانوا متأولين.

والجواب عن هذا: أن دخولهم إياها معصية في نفس الأمر، وكان الواجب عليهم ألا يبادروا وأن يتثبتوا حتى يعلموا: هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا؟ فأقدموا على الهجوم والاقتحام من غير تثبت ولا نظر، فكانت عقوبتهم أنهم لم يزالوا فيها.

وقوله: «أبدًا» لا يعطي خلودهم في نار جهنم؛ فإن الإخبار إنما هو عن نار الدنيا.

والأبد كثيرًا ما يراد أبد الدنيا؛ قال تعالى في حق اليهود: }وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا{ [البقرة: 95]. وقد أخبر عن الكفار أنهم يتمنون الموت في النار ويسألون ربهم أن يقضي عليهم بالموت.

وقد جاء في بعض الروايات: أن هذا الرجل كان مازحًا ([190]) وكان معروفًا بكثرة المزاح، والمعروف أنهم أغضبوه حتى فعل ذلك.

وفي الحديث دليل أن على من أطاع ولاة الأمر في معصية الله كان عاصيًا، وأن ذلك لا يمهد له عذرًا عند الله، بل إثم المعصية لاحق له، وإن كان لولا الأمر لم يرتكبها. وعلى هذا يدل هذا الحديث، وهو وجهه. وبالله التوفيق ([191]).

 

 

 

 

 

* * * *

 


استحباب عقد الألوية والرايات للجيش

 

وفيها ([192]): استحباب عقد الألوية والرايات للجيش واستحباب كون اللواء أبيض، وجواز كون الراية سوداء من غير كراهة ([193]).

 

فصل في هديه r فيمن جس عليه

ثبت أنه قتل جاسوسًا من المشركين ([194])، وثبت عنه أنه لم يقتل حاطبًا، وقد جس عليه، واستأذنه عمر في قتله فقال: «وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ([195])، فاستدل به من لا يرى قتل المسلم الجاسوس، كالشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة – رحمهم الله – واستدل به من يرى قتله، كمالك، وابن عقيل من أصحاب أحمد – رحمه الله – وغيرهما، قالوا: لأنه علل بعلة مانعة من القتل منتفية في غيره، ولو كان الإسلام مانعًا من قتله لم يعلل بأخس منه؛ لأن الحكم إذا علل بالأعم كان الأخص عديم التأثير، وهذا أقوى، والله أعلم ([196]).


باب

الغنيمة والفيء

إباحة الغنائم كان قبيحًا في حق من قبلنا؛ لئلا تحملهم إباحتها على القتال لأجلها والعمل لغير الله، فتفوت عليهم مصلحة الإخلاص التي هي أعظم المصالح، فحمى أحكم الحاكمين جانب هذه المصلحة العظيمة بتحريمها عليهم؛ ليتمحَّض قتالهم لله لا للدنيا، فكانت المصلحة في حقهم تحريمها عليهم.

ثم لما أوجد هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولاً وأرسخهم إيمانًا، وأعظمهم توحيدًا وإخلاصًا، وأرغبهم في الآخرة، وأزهدهم في الدنيا- أباح لهم الغنائم وكانت إباحتها حسنة بالنسبة إليهم، وإن كانت قبيحة بالنسبة إلى من قبلهم، فكانت كإباحة الطبيب اللحم للصحيح الذي لا يخشى عليه من مضرته، وحميته منه للمريض المحموم ([197]).

 

 

 

* * * *

 


فصل

في حكمه r في قسمة الغنائم

حكم r أن للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم([198])، هذا حكمه الثابت عنه في مغازيه كلها، وبه أخذ جمهور الفقهاء.

وحكم أن السلب للقاتل([199]).

وأما حكمه بإخراج الخمس فقال ابن إسحاق: كانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسًا، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان، وأخرج منه الخمس، ومضت به السنة([200])، ووافقه على ذلك القاضي إسماعيل بن إسحاق، فقال إسماعيل: وأحسب أن بعضهم قال: ترك أمر الخمس بعد ذلك، ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيان شاف، وإنما جاء ذكر الخمس يقينًا في غنائم حنين.

وقال الواقدي: أول خمس خمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام، نزلوا على حكمه، فصالحهم على أن له أموالهم، ولهم النساء والذرية، وخمس أموالهم([201]).

وقال عبادة بن الصامت: خرجنا مع رسول الله r إلى بدر، فلما هزم الله العدو تبعتهم طائفة يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله r، وطائفة استولت على العسكر والغنيمة، فلما رجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وقال الذين أحدقوا برسول الله r: نحن أحق به؛ لأنا أحدقنا برسول الله r ألا ينال العدو غرته، وقال الذين استولوا على العسكر: هو لنا، نحن حويناه. فأنزل الله عز وجل: }يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ{ [الأنفال: 1]. فقسمه رسول الله r عن بواء قبل أن ينزل: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ{ [الأنفال: 41]([202]).

وقال القاضي إسماعيل: إنما قسم رسول الله r أموال بني النضير بين المهاجرين، وثلاثة من الأنصار: سهل بن حنيف، وأبي دجانة، والحارث بن الصمة؛ لأن المهاجرين حين قدموا المدينة شاطرهم الأنصار ثمارهم، فقال لهم رسول الله r: «إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم، وأقمت على مواساتهم في ثماركم، وإن شئتم أعطيناها للمهاجرين دونكم، وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم»، فقالوا: بل تعطيهم دوننا، ونمسك ثمارنا، فأعطاها رسول الله r المهاجرين، فاستغنوا بما أخذوا، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم؛ وهؤلاء الثلاثة من الأنصار شكوا حاجة.

 

* * * *


فصــل

وكان طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد – رضي الله عنهما – بالشام لم يشهدا بدرًا، فقسم لهما رسول الله r سهميهما، فقالا: وأجورنا يا رسول الله؟ فقال: «وأجوركما» ([203]).

وذكر ابن هشام، وابن حبيب: أن أبا لبابة، والحارث بن حاطب، وعاصم بن عدي، خرجوا مع رسول الله r فردهم، وأمر أبا لبابة على المدينة، وابن أم مكتوم على الصلاة، وأسهم لهم ([204]).

والحارث بن الصمة كسر بالروحاء، فضرب له رسول الله r بسهمه ([205]).

قال ابن هشام: وخوَّات بن جبير ضرب له رسول الله r بسهمه ([206]).

ولم يختلف أحد أن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله r، فضرب له بسهمه، فقال: وأجري يا رسول الله؟ قال: «وأجرك» ([207])، قال ابن حبيب: وهذا خاص للنبي r، وأجمع المسلمون ألا يقسم لغائب.

 

قلت: وقد قال أحمد ومالك، وجماعة من السلف والخلف: إن الإمام إذا بعث أحدًا في مصالح الجيش، فله سهمه.

قال ابن حبيب: ولم يكن النبي r يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يحذيهم من الغنيمة ([208]).

فصــل

وعدل في قسمة الإبل والغنم كل عشرة منها ببعير ([209])، فهذا في التقويم، وقسمة المال المشترك. وأما في الهدي، فقد قال جابر: نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة ([210]).

فهذا في الحديبية، وأما في حجة الوداع فقال جابر أيضًا: أمرنا رسول الله r أن نشترك في الإبل والبقر؛ كل سبعة منا في بدنة ([211])، وكلاهما في الصحيح.

وفي السنن من حديث ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي r فقال: إن عليَّ بدنة وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها، فأمره أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن ([212]).


فصــل

حكم النبي r بالسلب كله للقاتل، ولم يخمسه، ولم يجعله من الخمس، بل من أصل الغنيمة، وهذا حكمه وقضاؤه.

قال البخاري في صحيحه: السلب للقاتل إنما هو من غير الخمس ([213]). وحكم به بشهادة واحد، وحكم به بعد القتل، فهذه أربعة أحكام تضمنها حكمه r بالسلب لمن قتل قتيلاً.

وقال مالك وأصحابه: السلب لا يكون إلا من الخمس، وحكمه حكم النفل، قال مالك: ولم يبلغنا أن النبي r قال ذلك، ولا فعله في غير يوم حنين، ولا فعله أبو بكر، ولا عمر رضي الله عنهما. قال ابن الموّاز: «ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله، وخمسه».

قال أصحابه: قال الله تعالى: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ{ [الأنفال: 41]، فجعل أربعة أخماس الغنيمة لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ شيء مما جعله الله لهم بالاحتمال.

وأيضًا فلو كانت هذه الآية إنما هي في غير الأسلاب، لم يؤخر النبي r حكمها إلى حنين، وقد نزلت في قصة بدر، وأيضًا إنما قال: «من قتل قتيلاً فله سلبه» ([214])، بعد أن برد القتال. ولو كان أمرًا متقدمًا، لعلمه أبو قتادة فارس رسول الله r، وأحد أكابر أصحابه، وهو لم يطلبه حتى سمع منادي رسول الله r يقول ذلك.

قالوا: وأيضًا فالنبي r أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين، فلو كان من رأس الغنيمة، لم يخرج حق مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات، أو شاهد ويمين.

قالوا: وأيضًا فلو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان يوقف كاللقطة ولا يقسم، وهو إذا لم تكن بينة يقسم، فخرج من معنى الملك، ودل على أنه إلى اجتهاد الإمام يجعله من الخمس الذي يجعل في غيره.

هذا مجموع ما احتج به لهذا القول.

قال الآخرون: قد قال ذلك رسول الله r، وفعله قبل حنين بستة أعوام، فذكر البخاري في صحيحه: أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين، ضربا أبا جهل بن هشام يوم بدر بسيفهما حتى قتلاه، فانصرفا إلى رسول الله فأخبراه، فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قال: لا، فنظر إلى السيفين، فقال: «كلاكما قتله، وسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» ([215])، وهذا يدل على أن كون السلب للقاتل أمر مقرر معلوم من أول الأمر، وإنما تجدد يوم حنين الإعلام العام، والمناداة به لا شرعيته.

 

وأما قول ابن المواز: إن أبا بكر وعمر لم يفعلاه، فجوابه من وجهين:

أحدهما: أن هذا شهادة على النفي، فلا تسمع.

والثاني: أنه يجوز أن يكونا ترك المناداة بذلك على عهدهما اكتفاء بما قرر، وثبت من حكم رسول الله r وقضائه، وحتى لو صح عنهما ترك ذلك تركًا صحيحًا لا احتمال فيه، لم يقدم على حكم رسول الله r.

وأما قوله: ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله، فقد أعطى السلب لسلمة بن الأكوع، ولمعاذ بن عمرو، ولأبي طلحة الأنصاري، قتل عشرين يوم حنين، فأخذ أسلابهم، وهذه كلها وقائع صحيحة معظمها في الصحيح، فالشهادة على النفي لا تكاد تسلم من النقض.

وأما قوله: «وخمسه»، فهذا لم يحفظ به أثر ألبتة، بل المحفوظ خلافه، ففي سنن أبي داود: عن خالد، أن النبي r لم يخمس السلب ([216]).

وأما قوله تعالى: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ{ [الأنفال: 41]، فهذا عام، والحكم بالسلب للقاتل خاص، ويجوز تخصيص عموم الكتاب بالسنة، ونظائره معلومة، ولا يمكن دفعها.


الفهــرس

 

المقدمة

فصل

في أحاديث في الجهاد والترهيب من تركه

فصل

في فضل المجاهدين

فضل الشهادة

متى كان الأمر بالقتال؟

فصل

مجاهدة النفس

من آداب الجهاد

الجهاد من خصائص هذه الأمة

تحمل تبعات الجهاد

من صفات المجاهد

فصلفي هديه r في الجهاد

فصلفي طرف من فتاويه r في الجهاد

طاعة الأمراء في المعروف

استحباب عقد الألوية والرايات للجيش

فصل في هديه r فيمن جس عليه

باب

الغنيمة والفيء

فصلفي حكمه r في قسمة الغنائم

فصــل

فصــل

فصــل

الفهــرس

 

 

 

 

* * * *

 

 



([1]) مفتاح دار السعادة (2/4).

([2]) البخاري (36) في الإيمان، باب: الجهاد من الإيمان.

([3]) البخاري (2787) في الجهاد.

([4]) البخاري (2892) في الجهاد.

([5]) النسائي (3126) في الجهاد.

([6]) أحمد (5/314، 316).

([7]) النسائي (3133) في الجهاد.

([8]) أبو داود (2541) في الجهاد، والترمذي (1657) في فضائل الجهاد، والنسائي (3141).

([9]) البخاري (2790).

([10]) مسلم (1884).

([11]) البخاري (2841)، ومسلم (1027).

([12])  أحمد (1/195، 196).

([13]) ابن ماجه (2761) في الجهاد، وضعفه الألباني.

([14]) أحمد (3/487)، والحاكم في المستدرك (2/217).

([15]) البخاري (907) في الجمعة.

([16]) النسائي (3111) في الجهاد، وأحمد (2/ 342).

([17]) النسائي (3114)، وأحمد (2/256)، والحاكم في المستدرك (2/72) في الجهاد، وقال: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.

([18]) النسائي (3115)، وأحمد (2/441).

([19]) النسائي (3113).

([20]) أحمد (5/225، 226).

([21]) أحمد (6/ 443، 444).

([22]) ابن ماجه (2775) في الجهاد.

([23]) أحمد (6/85).

([24]) البخاري (2892) في الجهاد.

([25]) مسلم (1913) في الإمارة.

([26]) أبو داود (2500) في الجهاد، والترمذي (1621) في فضائل الجهاد.

([27]) الترمذي (1667) في فضائل الجهاد، والنسائي (3169) في الجهاد.

([28]) ابن ماجه (2766) في الجهاد.

([29]) الترمذي (1650) في فضائل الجهاد، والحاكم في المستدرك (2/68) في الجهاد.

([30]) أحمد (6/362).

([31]) أحمد (1/61، 65).

([32]) النسائي (3117) في الجهاد، باب: ثواب عين سهرت في سبيل الله عز وجل.

([33]) أحمد (3/437).

([34]) أبو داود (3965) في الجهاد.

([35]) أبو داود (3965) في العتق، والنسائي (3143) في الجهاد.

([36]) الترمذي (1638) في فضائل الجهاد، والنسائي (3143)، وأحمد (4/113).

([37]) النسائي (3144).

([38]) أبو داود (2513) في الجهاد، والنسائي (3146)، وابن ماجه (2811) في الجهاد، وأحمد (4/144).

([39]) ابن ماجه (2814).

([40]) أحمد (3/82).

([41]) أحمد (5/231).

([42]) أحمد (2/251)، ورواه الترمذي (1655) في فضائل الجهاد، والنسائي (3218) في النكاح.

([43]) رواه مسلم (1910) في الإمارة.

([44]) أبو داود (2503) في الجهاد.

([45]) أبو داود (3462) في البيوع، وأحمد (2/ 28)، والبيهقي في الكبرى (5/ 316).

([46]) ابن ماجه (2763) في الجهاد، ورواه الترمذي (1666) في فضائل الجهاد.

([47]) أبو داود (2512) في الجهاد، والترمذي (2972) في تفسير القرآن.

([48]) مسلم (1905) في الإمارة، والترمذي (1659) في فضائل الجهاد.

([49]) البخاري (2810) في الجهاد، ومسلم (1904/ 150، 151) في الإمارة.

([50]) مسلم (1905) في الإمارة، والترمذي (2382) في الزهد.

([51]) أبو داود (2516) في الجهاد، وأحمد (2/366) وصححه ابن حبان (4618)، والحكم في المستدرك (2/ 85).

([52]) أبو داود (2519) في الجهاد.

([53]) البخاري (5533) في الذبائح والصيد، ومسلم (1876) في الإمارة.

([54]) الترمذي (1669) في فضائل الجهاد.

([55]) البخاري (2795) في الجهاد، ومسلم (1877) في الإمارة.

([56]) البخاري (2809) في الجهاد.

([57]) مسلم (1887) في الإمارة.

([58]) أحمد (4/131)، والترمذي (1663) في فضائل الجهاد.

([59]) الترمذي (3010) في تفسير القرآن.

([60]) أبو داود (2520) في الجهاد، وأحمد (1/266)، والحاكم في المستدرك (2/297، 298).

([61]) أحمد (1/266).

([62]) ابن ماجه (2798) في الجهاد، وأحمد (2/297).

([63]) النسائي (3153) في الجهاد.

([64]) النسائي (3161) في الجهاد، وأحمد (2/ 297).

([65]) أبو داود (2522) في الجهاد.

([66]) أحمد (5/ 287).

([67]) أحمد (1/23)، ورواه الترمذي (1644) في فضائل الجهاد.

([68]) أحمد (4/185)، وابن حبان (4644).

([69]) مسلم (1891) في الإمارة.

([70]) أبو داود (1449) في الصلاة.

([71]) ابن ماجه (4011) في الفتن.

([72]) النسائي (4209) في البيعة.

([73]) البخاري (3641) في المناقب، ومسلم (1924) في الإمارة.

([74]) أبو داود (2484) في الجهاد.

([75]) زاد المعاد (3/75 – 95).

([76]) الرواية التي أشار إليها الدارقطني رواها أحمد (1/265، 266).

([77]) مسلم (1887) في الإمارة.

([78]) تهذيب السنن (3/373، 374).

([79]) من طبقات المكلفين ومراتبهم في الدار الآخرة.

([80]) البخاري (53) في الإيمان، ومسلم (2417) في الإيمان.

([81]) البخاري (2790) في الجهاد.

([82]) البخاري (2996) في الجهاد، وأبو داود (3091) في الجنائز.

([83]) البخاري (4423) في المغازي، باب (81).

([84]) البخاري (7083) في الفتن، ومسلم (2888) في الفتن.

([85]) الترمذي (2325) في الزهد، وقال: «حسن صحيح».

([86]) مسلم (1893) في الإمارة.

([87]) مسلم (2674) في العلم.

([88]) أبو داود (564) في الصلاة، والنسائي (855) في الإمامة، وأحمد (2/380)، والحاكم في المستدرك (1/208، 209) وقال: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».

([89]) أبو داود (1314) في الصلاة، والنسائي (1784) في قيام الليل وتطوع النهار، ومالك في الموطأ (1/117) برقم (1) في صلاة الليل، وأحمد (6/72).

([90]) أبو داود (2541) في الجهاد، والترمذي (1653) في فضائل الجهاد، قال: «حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن شريح»، وأحمد (5/244).

([91]) أبو داود (3111) في الجنائز، والنسائي (1846) في الجنائز، ومالك في الموطأ (1/ 233) برقم (36) في الجنائز، وأحمد (5/446)، كلهم عن جابر بن عتيك وليس كما ذكر المصنف، والله أعلم.

([92]) طريق الهجرتين (355 – 362).

([93]) البخاري (2829) في الجهاد.

ومسلم (1914) في الإمارة.

([94]) زاد المعاد (4/275).

([95]) إعلام الموقعين (4/215).

([96]) البخاري (4743) في التفسير.

([97]) الحاكم في المستدرك (2/66)، ورواه الترمذي (3171) في تفسير القرآن.

([98]) زاد المعاد (3/69 – 72).

([99]) مدارج السالكين (2/ 445).

([100]) البخاري (7319) في الاعتصام بالكتاب والسنة.

([101]) البخاري (7320)، ومسلم (2669) في العلم.

([102]) مدارج السالكين (2/458).

([103]) البخاري (3933) في مناقب الأنصار، ومسلم (1352) في الحج.

([104])  مدارج السالكين (2/ 321).

([105]) زاد المعاد (2/26، 27).

([106]) مسلم (1043) في الزكاة، باب: كراهة المسألة للناس.

([107]) الترمذي (1714) في الجهاد.

([108]) أبو داود (2639) في الجهاد.

([109]) البخاري (2947) في الجهاد، ومسلم (2769/ 54) في التوبة.

([110]) البخاري (3030) في الجهاد، ومسلم (1739) في الجهاد.

([111]) البخاري (2885) في الجهاد، ومسلم (1901) في الإمارة.

([112]) البخاري (4115) في المغازي.

([113]) البخاري (4280) في المغازي.

([114]) البخاري (3065) في الجهاد.

([115]) البخاري (610) في الأذان، ومسلم (382) في الصلاة.

([116]) البخاري (3012) في الجهاد، ومسلم (1745) في الجهاد.

([117])البخاري (2949) في الجهاد.

([118])أبو داود (2628) في الجهاد.

([119]) البخاري (2930) في الجهاد, ومسلم (1726) في الجهاد، والسير.

([120]) البخاري (2932) في الجهاد، ومسلم (1742/ 21) في الجهاد والسير.

([121]) البخاري (2953) في المغازي.

([122]) مسلم (1776/ 79) في الجهاد.

([123]) أبو داود (2632) في الجهاد، والترمذي (3584) في الدعوات.

([124]) البخاري (4315 – 4317) في المغازي.

([125]) مسلم (1776/ 79) في الجهاد والسير.

([126]) أبو داود (2596) في الجهاد، والحاكم في المستدرك (2/107، 108) وقال: «صحيح على شرط مسلم».

([127]) أبو داود (2597) في الجهاد، والترمذي (1682) في الجهاد.

([128]) أبو داود (2659) في الجهاد، والنسائي (2558) في الزكاة.

([129]) البخاري (3015) في الجهاد، ومسلم (1744) في الجهاد والسير.

([130]) أبو داود (4404) في الحدود، والترمذي (1584) في السير.

([131]) مسلم (1731) في الجهاد.

([132]) البخاري (2990) في الجهاد، ومسلم (1869) في الإمارة.

([133]) البخاري (4228) في المغازي، ومسلم (1762) في الجهاد والسير.

([134]) مسلم (1807) في الجهاد والسير.

([135]) أبو داود (2737 – 2739) في الجهاد، وأحمد (5/323، 324).

([136]) أبو داود (2749، 2750) وصححه ابن حبان (1672).

([137]) أحمد (5/323، 324).

([138]) أبو داود (2991) في الخراج والإمارة والفيء، والنسائي (4145).

([139]) أبو داود (2994)، وصححه ابن حبان (2247).

([140]) أبو داود (2999) والنسائي (4146) في قسم الفيء، وأحمد (5/77/78).

([141]) الترمذي (1561) في السير، وأحمد (1/271).

([142]) أبو داود (2726) في الجهاد، باب: فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له.

([143]) أبو داود (2785) في الجهاد.

([144]) أبو داود (2526) في الجهاد، وأحمد (2/174).

([145]) أبو داود (3388) في البيوع، والنسائي (3937) في الإيمان والنذور.

([146]) روى البخاري (4238) في المغازي.

([147]) البخاري (3140) في فرض الخمس.

([148]) البخاري عن ابن عمر (3154) في فرض الخمس.

([149]) أبو داود (2701) في الجهاد.

([150]) البخاري (3153) في فرض الخمس، ومسلم (1772) في الجهاد والسير.

([151]) أبو داود (2704) في الجهاد.

([152]) أبو داود (2706) في الجهاد.

([153]) الترمذي (1601) في السير.

([154]) البخاري (2488) في الشركة، ومسلم (1968/ 21) في الأضاحي.

([155]) أبو داود (2705) في الجهاد.

([156]) أبو داود (2708) في الجهاد.

([157]) زاد المعاد (3/95 – 106).

([158]) زاد المعاد (3/115 – 116).

([159]) البخاري (3160) في الجزية والموادعة. 

([160]) زاد المعاد (3/89).

([161]) مسلم (1855/ 66) في الإمارة.

([162]) مسلم (1854) في الإمارة.

([163]) الترمذي (2199) في الفتن، ورواه مسلم (1846) في الإمارة.

([164]) البخاري (3603) في المناقب، ومسلم (1843) في الإمارة.

([165]) مسلم (1878) في الإمارة.

([166]) البخاري (2786) في الجهاد، ومسلم (1888) في الإمارة.

([167]) أحمد (2/308).

([168]) النسائي (2053).

([169]) أحمد (5/287).

([170]) البخاري (2810) في الجهاد، ومسلم (1904/ 150) في الإمارة.

([171]) أبو داود (2517) في الجهاد.

([172]) أبو داود (2516) في الجهاد.

([173]) النسائي (3140) في الجهاد.

([174]) أحمد (6/322)، ورواه الترمذي (3022) في تفسير القرآن.

([175]) مسلم (1915) في الإمارة.

([176]) إعلام الموقعين (4/482 – 485).

([177]) أحمد (5/ 266)، والطبراني في الكبير (8/257) برقم (7868).

([178]) إعلام الموقعين (4/405).

([179]) أبو داود (1449) في الصلاة، والنسائي (2526) في الزكاة، وابن ماجه (2794) في الجهاد.

([180]) إعلام الموقعين (4/345).

([181]) البخاري (3012) في الجهاد، ومسلم (1745) في الجهاد والسير.

([182]) إعلام الموقعين (4/340).

([183]) البخاري (2808) في الجهاد، ومسلم (1900) في الإمارة.

([184]) إعلام الموقعين (4/401).

([185]) البخاري (4019) في المغازي، ومسلم (95) في الإيمان.

([186]) إعلام الموقعين (4/399).

([187]) أحمد (4/110) وصححه ابن حبان (11).

([188]) إعلام الموقعين (4/99).

([189]) البخاري (7145)، ومسلم (1840) في الإمارة.

([190]) ابن ماجه (2863) في الجهاد.

([191]) تهذيب السنن (3/428، 429).

([192]) أي: قصة قدوم وفد صُدَاء وما فيها من الفقه.

([193]) زاد المعاد (3/667).

([194]) رواه البخاري (3051) في الجهاد، ومسلم (2494) في فضائل الصحابة.

([195]) البخاري (3007) في الجهاد.

([196]) زاد المعاد (3/114، 115).

([197]) مفتاح دار السعادة

([198]) سبق تخريجه.

([199]) رواه البخاري (3142) في فرض الخمس، ومسلم (1751) في الجهاد والسير.

([200]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/ 194).

([201]) انظر: الطبقات لابن سعد (2/22).

([202]) أحمد (5/ 324)، والحاكم (2/135، 136) وقال: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.

([203]) انظر: الطبقات لابن سعد (3/162).

([204]) انظر: سيرة ابن هشام (2/331، 332).

([205]) المرجع السابق.

([206]) المرجع السابق.

([207]) البخاري (3130) في فرض الخمس.

([208]) رواه مسلم (1812) في الجهاد والسير.

([209]) البخاري (2488) في الشركة، ومسلم (1968) في الأضاحي.

([210]) مسلم (1318) في الحج.

([211]) مسلم (1318/ 351) في الكتاب والباب السابقين.

([212]) أبو داود في المراسيل (154) وابن ماجه (3136) في الأضاحي.

([213]) انظر: فتح الباري (6/ 246) في فرض الخمس.

([214]) سبق تخريجه.

([215]) البخاري (3141) في فرض الخمس.

([216]) أبو داود (2721) في الجهاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

غاية الشوق لفضل بر الوالدين والعتق -الشيخ / محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -

غاية الشوق لفضل بر الوالدين والعتق  تأليف فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -   مقدمة 1. الحمد لله، والصلاة والسل...